فصل: من لطائف القشيري في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

{وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا} أي شيئًا يسوء به غيره كما فعل بشير برفاعة أو طعمة باليهودي {أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ} بما يختص به كالإنكار، وقيل: السوء ما دون الشرك، والظلم الشرك، وقيل: السوء الصغيرة والظلم الكبيرة.
{ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ الله} بالتوبة الصادقة ولو قبل الموت بيسير {يَجِدِ الله غَفُورًا} لما استغفره منه كائنًا ما كان {رَّحِيمًا} متفضلًا عليه، وفيه حث لمن فيهم نزلت الآية من المذنبين على التوبة والاستغفار، قيل: وتخويف لمن لم يستغفر لوم يتب بحسب المفهوم فإنه يفيد أن لم يستغفر حرم من رحمته تعالى وابتلي بغضبه. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ}
اعتراض بتذييل بين جملة {هَأنتم هَؤلاء جادلتم عنهم} وبين جملة: {ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمَّت طائفة منهم أن يُضلّوك} [النساء: 109 113].
وعَمل السوء هو العصيان ومخالفة ما أمر به الشرع ونهى عنه.
وظلم النفس شاع إطلاقه في القرآن على الشرك والكفر، وأطلق أيضًا على ارتكاب المعاصي.
وأحسنُ ما قيل في تفسير هذه الآية: أنّ عمل السوء أريد به عمل السوء مع الناس، وهو الاعتداء على حقوقهم، وأنّ ظلم النفس هو المعاصي الراجعة إلى مخالفة المرء في أحواله الخاصّة ما أمر به أو نُهيَ عنه.
والمراد بالاستغفار التوبة وطلب العفو من اللَّهِ عمّا مضى من الذنوب قبل التوبة، ومعنى {يجد الله غفورًا رحيمًا} يتحقّق ذلك، فاستعير فعل {يجد} للتحقّق لأنّ فعل وَجد حقيقته الظَفَر بالشيء ومشاهدته، فأطلق على تحقيق العفو والمغفرة على وجه الاستعارة.
ومعنى {غفورًا رحيمًا} شديد الغفران وشديد الرحمة وذلك كناية عن العموم والتعجيل، فيصير المعنى يجد الله غافرًا له راحمًا له، لأنّه عامّ المغفرةِ والرحمةِ فلا يخرج منها أحد استغفره وتاب إليه، ولا يتخلّف عنه شمول مغفرته ورحمته زَمنًا، فكانت صيغة {غفورًا رحيمًا} مع {يجد} دَالَّةً على القبول من كلّ تائب بفضل الله. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110)}
{ثم}: حرفٌ يدل على التراخي؛ أي يزجون عمرهم في البطالات والمخالفات ثم في آخر أعمارهم يستغفرون الله.
وقوله: {يَجِدِ اللهَ}: الوجود غاية الحديث، والعاصي لا يطلب غير الغفران، ولكن الله- سبحانه يوصله إلى النهاية بفضله- إذا شاء، فسُنَّتُه تحقيق ما فوق المأمول لمن رجاه. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا}
وسبحانه وتعالى حينما خلق الخلق جعلهم أهل أغيار؛ لذلك لم يشأ أن يُخرج مذنبًا بذنب عن دائرة قدرته ورحمته، بل إنه سبحانه شرع التوبة للمذنب حماية للمجتمع من استشراء شره. فلو خرج كل من ارتكب ذنبًا من رحمة الله، فسوف يعاني المجتمع من شرور مثل هذا الإنسان، ويصبح كل عمله نقمة مستطيرة الشر على المجتمع. إذن فالتوبة من الله، مشروعية وقبولًا، إنما هي حماية للبشر من شراسة من يصنع أول ذنب. وهكذا جاءت التوبة لتحمي الناس من شراسة أهل المعصية الذين بدأوا بمعصية واحدة.
إن الذين وقفوا في محاولة تبرئة «ابن أبيرق» انقسموا إلى قسمين: قسم في باله أن يبرئ «ابن أبيرق»، وقسم في باله ألا يفضح مسلمًا. وكل من القسمين قد أذنب. ولكن هل يخرجهم هذا الذنب من رحمة الله؟. لا، فسبحانه يقول: {يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا} والحق يعفو عن تلك المسألة. إن القسمين جميعا أصبحوا مطالبين بعمل طيب بعد أن أوضح لهم الرسول، وفهموا مراد الحق. وسبحانه يبقيهم في الصف الإيماني، وقد حكم رسول الله على «ابن أبيرق» لصالح اليهودي، وبعد ذلك ارتد «ابن أبيرق»، وذهب إلى مكة مصاحبًا لِعادة الخيانة، فنقب حائطا على رجل ليسرق متاعه فوقع الحائط عليه فمات.
والحق سبحانه يضع المعايير، فمن يرتكب ذنبًا أو يظلم نفسه بخطيئة ثم يستغفر الله يجد الله غفورًا رحيمًا. ونلاحظ أن بعض السطحيين لا يفهمون جيدًا قول الحق: {وَمَن يَعْمَلْ سُواءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا} فيتساءلون: أليس الذي ارتكب العمل السيئ قد ظلم نفسه؟
ونقول: إن دقة القرآن توضح لنا المعنى؛ فمعنى عمل سوءًا أضرّ بهذا العمل آخرين، إنّه غير الذي ارتكب شيئًا يضرّ به نفسه فقط؛ فالذي سرق أو قتل أو اعتدى على آخر قذفًا أو ضربًا أو إهانة، مثل هذه الأعمال هي ارتكاب للسوء؛ فالسوء هو عمل يكرهه الناس، ويقال: فلان رجل سوء، أي يلقى الناس بما يكرهون.
لكن الذي يشرب الخمر قد يكون في عزلة عن الناس لم يرتكب إساءة إلى أحد، لكنه ظلم نفسه؛ لأن الإنسان المسلم مطلوب منه الولاية على نفسه أيضًا، والمنهج يحمي المسلم حتى من نفسه، ويحمي النفس من صاحبها، بدليل أننا نأخذ من يقتل غيره بالعقوبة، وكذلك يحرم الله من الجنة من قتل نفسه انتحارًا.
وهكذا نرى حماية المنهج للإنسان وكيف تحيطه من كل الجهات؛ لأن الإنسان فرد من كون الله، والحق يطلب من كل فرد أن يحمي نفسه. فإن صنع سوءا أي أضر بغيره، فهذا اسمه «سوء».
أما حين يصنع فعلًا يضر نفسه فهذا ظلم النفس: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [سورة آل عمران: 135]
وهل فعل الفاحشة مخالف لظلم النفس؟. إنه إساءة لغيره أيضا، لكن ظلم النفس هو الفعل الذي يسئ إلى النفس وحدها. أو أن الإنسان يصنع سيئة ويمتع نفسه بها لحظة من اللحظات ولا يستحضر عقوبتها الشديدة في الآخرة. وقد تجد إنسانًا يرتكب المعصية ليحقق لغيره متعة، مثال ذلك شاهد الزور الذي يعطي حق إنسان لإنسان آخر ولم يأخذ شيئًا لنفسه، بل باع دينه بدنيا غيره، وينطبق عليه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «بادروا بالأعمال ستكون فتنة كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويُمسي كافرا، أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرًا يبيع دينه بعرض الدنيا».
{وَمَن يَعْمَلْ سُواءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا} والله غفور ورحيم أزلًا ودائمًا، والعبد التائب يرى مغفرة الله ورحمته. اهـ.

.تفسير الآية رقم (111):

قوله تعالى: {وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (111)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ندب إلى التوبة ورغب فيها، بين أن ضرر إثمه لا يتعدى نفسه، حثًا على التوبة وتهييجًا إليها لما جبل عليه كل أحد من محبة نفع نفسه ودفع الضر عنها فقال: {ومن يكسب إثمًا} أي إثم كان {فإنما يكسبه على نفسه} لأن وباله راجع عليه إذ الله له بالمرصاد، فهو مجازيه على ذلك لا محالة غير حامل لشيء من إثمه على غيره كما أنه غير حامل لشيء من إثم غيره عليه، والكسب: فعل ما يجر نفعًا أو يدفع ضرًا.
ولما كان هذا لا يكون إلا مع العلم والحكمة قال تعالى: {وكان الله} أي الذي له كمال الإحاطة أزلًا وأبدًا {عليمًا} أي بالغ العلم بدقيق ذلك وجليله، فلا يترك شيئًا منه {حكيمًا} فلا يجازيه إلا بمقدار ذنبه، وإذا أراد شيئًا وضعه في أحكم مواضعه فلا يمكن غيره شيء من نقضه. اهـ.

.قال الفخر:

الكسب عبارة عما يفيد جر منفعة أو دفع مضرة، ولذلك لم يجز وصف الباري تعالى بذلك والمقصود منه ترغيب العاصي في الاستغفار كأنه تعالى يقول: الذنب الذي أتيت به ما عادت مضرته إلي فإنني منزّه عن النفع والضرر، ولا تيأس من قبول التوبة والاستغفار {وَكَانَ الله عَلِيمًا} بما في قلبه عند إقدامه على التوبة {حَكِيمًا} تقتضي حكمته ورحمته أن يتجاوز عن التائب. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا} أي ذنبًا {فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ على نَفْسِهِ} أي عاقبته عائدة عليه.
والكسب ما يجرّ به الإنسان إلى نفسه نفعًا أو يدفع عنه به ضررا؛ ولهذا لا يسمى فعل الرب تعالى كسبًا. اهـ.

.قال أبو حيان:

{ومن يكسب إثمًا فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليمًا حكيمًا} الإثم: جامع للسوء وظلم النفس السابقين والمعنى: أنّ وبال ذلك لاحق له لا يتعدّاه إلى غيره، وهو إشارة إلى الجزاء اللاحق له في الآخرة.
وختمها بصفة العلم، لأنه يعلم جميع ما يكسب، لا يغيب عنه شيء من ذلك.
ثم بصفة الحكمة لأنه واضع الأشياء مواضعها فيجازى على ذلك الإثم بما تقتضيه حكمته.
فالصفتان أشارتا إلى علمه بذلك الإثم، وإلى ما يستحق عليه فاعله.
وفي لفظة: على، دلالة استعلاء الإثم عليه، واستيلائه وقهره له. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَمَن يَكْسِبْ} أي يفعل {ءاثِمًا} ذنبًا من الذنوب {فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ على نَفْسِهِ} بحيث لا يتعدى ضرره إلى غيرها فليحترز عن تعريضها للعقاب والوبال {وَكَانَ الله عَلِيمًا} بكل شيء ومنه الكسب {حَكِيمًا} في كل ما قدر وقضى، ومن ذلك لا تحمل وازرة وزر أخرى، وقيل: {عَلِيمًا} بالسارق {حَكِيمًا} في إيجاب القطع عليه، والأولى أولى. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (111)}
الحَقُّ غنيٌّ عن طاعة المطيعين، وزلة العاصين، فمن أطاع فحظُّه حَصَّلَ، ومن عصى فحظه أخذ. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}
ويورد الحق كلمة «كسب» عندما يتناول أمرًا خَيِّرًا فعله الإنسان، ويصف ارتكاب الفعل السيئ بـ «اكتسب»، لماذا؟ لأن فعل الخير عملية فطرية في الإنسان لا يستحيي منه، لكن الشر دائمًا هو عملية يستحيي منها الإنسان؛ لذلك يحب أن يقوم بها في خفية، وتحتاج إلى افتعال من الإنسان.